Powered By Blogger

الثلاثاء، 7 أبريل 2009

تغيير القيادات الإدارية لا يغني عن التطوير المؤسسي

د. عدنان بن عبد الله الشيحة
تعكس التغييرات الوزارية الأخيرة توجها حميدا نحو التطوير وجلب أفكار ومبادرات جديدة ترتقي بالاقتصاد والمجتمع وتسهم في البحث عن معالجات للمشكلات ومواجهة التحديات واحتواء المستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية، كما أنها تدل على أن الوزراء والقياديين في المناصب العليا مطالبون بأداء متميز وتحقيق نجاحات وانجازات على الأرض تضيف إلى جهود ونتائج من سبقوهم هامشا من التطوير والتحسين وخلق فرق محسوس في الخدمات المقدمة للمواطنين والتهيئة لأوضاع اقتصادية واجتماعية أفضل. ومن هنا تم التجديد لبعض المناصب العليا في الدولة كمكافأة للتميز في الأداء والإنتاجية والمشاريع وتعزيز الثقة بالتوجهات والسياسات والخطط المتبعة. إذ لا يعني التغيير فقط للأشخاص ولكن أيضا تغيير الأداء والأهداف والخطط والأسلوب القيادي والتفكير الاستراتيجي والفلسفة المتبعة في عملية صنع القرار بما يتفق مع الإرادة السياسية ورؤيتها وتطلعاتها. لذا فاختيار الوزراء الجدد يعكس الثقة الملكية بقدراتهم وكفاءاتهم بناء على تجاربهم ونجاحاتهم السابقة في تحقيق الرؤية والطموحات. المسألة لا تتعدى كونها تغييرا في أسلوب العمل والنهج المتبع في ترجمة السياسات العامة للدولة إلى مشاريع وخدمات بكفاءة وفاعلية تجسر الفجوة بين الوضع الحالي والوضع المرغوب. التغييرات طالت الوزارات ذات العلاقة المباشرة بخدمة العموم مثل الصحة والتعليم والعدل، ولكن تبقى هناك وزارات ذات تأثير كبير في الأداء الحكومي ولكنها خفية تقع في الظل ولا تحتك بالجمهور مباشرة تتطلب التغيير والتجديد. دور هذه الوزارات مساند وداعم للأجهزة الحكومية الأخرى يرتكز إلى سن التشريعات والنظم والخطط ، وهو دور استراتيجي يسهم في رسم ملامح المستقبل وتحديد الهوية الإدارية والاقتصادية للوطن. التطوير والإصلاح الإداري منظومة متكاملة تتداخل فيها جميع الأجهزة الحكومية وتتطلب، إضافة إلى تغيير القيادات الإدارية التطوير المؤسسي ليس من الناحية الإدارية الفنية وحسب ولكن أيضا من الناحية الإجرائية السياسية، بحيث يمنح مجلس الشورى ومجالس المناطق والمجالس المحلية والبلدية صلاحيات رقابية وتشريعية باستقلالية تامة تمكنها من تقييم أداء الأجهزة الحكومية بشفافية وحصانة قانونية في المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية.
التنظيمات البيروقراطية منفردة لن تستطيع النهوض بعملية التطوير والإصلاح خاصة أنها تدور في فلك ضيق داخل المنظمات الحكومية. وهناك عدة أمثلة تثبت أن معالجة المشكلات الاجتماعية من خلال حلول بيروقراطية أو إنشاء بيروقراطيات إضافية هي معالجة يائسة ولا تحقق الغرض المطلوب. والأمر يبدو عجيبا عندما تراقب البيروقراطيات من بيروقراطيات أخرى فتكون المراقبة شكلية فنية تقريرية استشارية. هذه الرقابة البيروقراطية تتعلق بمسألة أساسية يثيرها التساؤل "من يراقب المراقب؟" إذ إن الأصل في البيروقراطيات أنها سلطات تنفيذية بينما تتولى المجالس النيابية السلطات التشريعية وصياغة السياسات العامة لتقوم البيروقراطيات بتنفيذها، إلا أن البيروقراطيات في الوضع الراهن تستحوذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية! هذا التمركز للسلطة في جهة واحدة يؤدي إلى مفسدة إدارية واجتماعية عظيمة. من هنا كانت الدعوة إلى الفصل بين السلطات في جهتين حتى تتحقق الرقابة المتوازنة فيما بينها ولا تستأثر جهة واحدة بجميع السلطات. هذا هو التطوير المؤسسي الحقيقي المنشود الذي يحقق تغييرا جوهريا يدفع نحو آفاق أرحب وأعلى من النضج الإداري. وهو ما تتطلبه المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتفاقم مع مرور الزمن وتجعلنا قادرين على وأدها في مهدها قبل أن تتحول إلى طود عظيم يصعب التعامل معها ونعدم السيطرة عليها. لقد مضى زمن طويل ونحن ندور في فلك البيروقراطية البطيئة الراكدة وجاء الوقت لتحريكها وإيقاظها من سباتها العميق بتحفيزها ومراقبتها ومساءلتها من قبل مجالس نيابية تعكس الرأي العام وترعى مصالح السكان. لم يعد بالإمكان الاستمرار في قبول هذا التراخي والتثاقل البيروقراطي في إنجاز المشروع التنموي وتفويت فرصة تحقيق مركز متقدم في المنافسة العالمية. ولا يمكن اختزال التغيير والتطوير الإداري في تعيين قيادات جديدة أو التطوير داخل الأجهزة الحكومية وإنما من الضروري تناول التغيير بمنظور مؤسسي شامل لمنظومة صنع القرار العام، بحيث يعمل على التقليل من الاعتماد الكلي على البيروقراطيات العامة وإنشاء مؤسسات تشريعية تتقاسم معها الصلاحيات بالتساوي وتضع نهاية لاحتكار السلطة من قبل البيروقراطيات لضمان حد أدنى من التنافس والتكامل والتخصصية في الأدوار والمسؤوليات. هذا التحول المؤسسي سيؤدي إلى الالتفات إلى القضايا والمشكلات التنظيمية الحقيقية والصعبة ويدفع نحو الغوص في أعماقها والمحاولة الجادة لمعالجتها واقتلاعها من جذورها، بدلا من الانشغال بالإجراءات الروتينية الورقية وبالأمور الشكلية للاستهلاك الإعلامي. ولذا نلاحظ أنه يذهب وزير ويأتي آخر في عدة قطاعات ولكن تبقى القضايا الحاسمة والحساسة دون نقاش ويكون التطوير هامشيا لا يمسها ولا يقترب منها وبالكاد تكون معالجات لظواهر المشكلة وليس مسبباتها الحقيقية لتستمر على الرغم من الإنفاق السخي للدولة على هذه القطاعات! على سبيل المثال مشكلات التعليم بشقية العام والعالي وضعف أدائه تتعلق بالعقم الإداري المتمثل في المركزية الشديدة بحيث يسلب التنفيذيين في الميدان الصلاحيات وهم الذين يفترض أن يصنعوا الفرق في الأداء بأفكارهم وإبداعاتهم والبحث عن بدائل تطويرية. يفترض أن يمنح مديرو المدارس على سبيل المثال صلاحيات إدارية ومالية ومن ثم محاسبتهم على النتائج حسب معايير وأهداف محددة وإلا كيف يمكن التمييز بين الغث والسمين ومن يملك القدرة القيادية والتطويرية ومن لا يملكها؟ والتوقف عن الإشراف التربوي بصورته الحالية لأنه لا يقيس ولا يطور الأداء ولا يحدث التغيير المطلوب في سلوك المعلمين ونهجهم في التدريس. هذه مسؤولية مدير ومديرة المدرسة اللذين تعايشان المدرسين والمدرسات يوميا ويراقبانهم من كثب لكنهما مسلوبا الصلاحيات لا يملكان إلا ختم المدرسة وتمرير الأوراق وضبط الحضور والانصراف! الجامعات هي الأخرى تحتاج إلى تحويلها إلى مؤسسات غير ربحية بمجالس أمناء يتشكل أعضاؤها من جميع فئات المجتمع حتى تكون اقدر على تلبية احتياجات المجتمع كما ونوعا. هناك أيضا ضرورة لتطوير أنظمة الخدمة المدنية بما يتناسب مع المستجدات الاقتصادية والتقنية والمهنية. النظام المالي هو الآخر يشكل عقبة كؤودا وسدا منيعا أمام أي محاولة للتطوير والإبداع بحجة الحفاظ على المال العام، وهو في واقع الأمر من دون أن نعلم يكلفنا الكثير من الهدر المباشر وغير المباشر. الاقتصاد أصبح يتيما يتبع وزارة الاقتصاد والتخطيط بالاسم ولوزارة المالية بالتبني دون هوية تنظيمية! هذه تشكل ظواهر إدارية غير صحية سببها تفرد البيروقراطيات العامة بجميع الصلاحيات دون مراقبة ومساءلة من مؤسسات نيابية نافذة. وهي بكل تأكيد لا تنحصر في الأجهزة الحكومية التي ذكرت وإنما فقط هي عينة لصور تبين ضرورة التطوير المؤسسي والقانون العام وعدم الاكتفاء بتغيير القيادات الإدارية إذا ما شئنا ارتقاء درجات أعلى في السلم الحضاري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق