يشير هذا الإصدار إلى أن ظهور الخدمة المدنية فى اليابان يرجع إلى نهاية القرن الماضى وبداية هذا القرن بظهور نظام برلماني ديمقراطي يشابه النظام السائد فى الدول الغربية، بالإضافة إلى الاعتماد على كوادر إدارية كانت من خريجى جامعة طوكيو الملكية والذين تم تعيينهم فى قطاع الخدمات دون اشتراط اجتياز اختبارات محددة. ولقد توالت عدة نظم مع حلول عام 1899 تؤكد على المزايا الخاصة التى يتمتع لها الموظفون المعنيون من قبل الإمبراطور وغيرهم من الموظفين الآخرين، وكانت كلمة ( كارى) تستخدم للتميز بين النوعين. وظل هذا التقليد ساريا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، قد انقسم الموظفون إلى أربع فئات مميزة :- 1. موظفو " مجلس الوزراء" والذى يوقع على خطاب تعيينهم الإمبراطور ورئيس الوزراء فى احتفال يتم إجراؤه بالقصر الإمبراطورى. 2. كبار الموظفين وهم نواب الوزراء ومديرى الإدارات العليا،ويتم تعيينهم بواسطة الإمبراطور دون احتفال. 3. فئة الموظفين ويقوم بتعيينهم رئيس الوزراء نيابة عن مجلس الوزراء. 4. فئة الموظفين العموميين العاديين وتقع مسئولية تعيينهم على الوزراء أنفسهم فى مجالات اختصاصاتهم الرئيسية. وعلى ذلك يرى الباحث أن النظام السابق قد جاء امتداد لثقافة الإقطاع، كما أنه حمل بعض خصائص الخدمة المدنية الحديثة فى أوروبا، وبصفة خاصة فى التقاليد البريطانية والألمانية ولقد استمر نظام الخدمة المدنية مطبقاً حتى عام 1920 وبانهيار الأحزاب والبرلمان تحت الضغط العسكرى أثناء الفترة من 1920 إلى 1930 ظهر باليابان بيروقراطية من نوع جديد حملت التقاليد العسكرية الفاشية. نظام الخدمة المدنية والإدارة المحلية قبل الحرب العالمية الثانية يتميز نظام الخدمة المدنية والإدارة المحلية فى اليابان بكونه نظاماً نخبوياً سيطر عليه خريجو جامعة طوكيو بنحو 47% ولقد جاء خريجى كلية الحقوق فى مقدمة العاملين بجهاز الخدمة المدنية. وبعد الحرب العالمية الثانية جاء الدستور 1947 ليحدث تغير كبيراً فى البيروقراطية اليابانية، إلا أنه بالرغم تأكيد مسئولية مجلس الوزراء ( السلطة التنفيذية) أمام البرلمان سيطرت البيروقراطية اليابانية على عملية صنع القرار. ولقد أمكن لعمليات التحديث التى بدأت على يد الميجى فى القرن التاسع عشر من أن تؤسس نظاماً دستورياً موحداً مكن الإمبراطور من أن يفرض نفوذه على المستوى المحلى. وإعطائه مزيداً من السيطرة على البيروقراطية المركزية. وفى عام 1871 ومع ظهور قانون للإدارة المحلية تم تأسيس نظام محلى مستقل وقسمت اليابان إلى سبع وأربعين مقاطعة إلى المناطق الفرعية وكانت المجالس المحلية بمثابة سلطات تنفيذية تقوم على تنفيذ أوامر الإمبراطور. السياسات العامة والبيروقراطية الحكومية فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لا شك يؤكد الباحث أنه مما فيه أن هزيمة اليابان فى الحرب العالمية الثانية غيرت فى مفهوم البيروقراطية اليابانية لتعمل لصالح المواطنين فى ظل نظام ديمقراطى تم فرضه على اليابان من جانب قوات الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تكن إصلاحات الخدمة العامة فى اليابان فى هذه الفترة نتيجة رغبة أمريكية محضة، وإنما نتاج توسع اليابانيين أنفسهم وضرورة تحقيق الكفاءة الإدارية ولقد نجحت حكومة Kone فى فترتها الثانية 1941-1941 فى إدخال بعض الإصلاحات فى مجال الخدمة المدنية. كما ترتب على الإصلاحات التالية على الحرب تقليل عدد الموظفين الحكوميين بعد منتصف الستينيات، واتجاه الحكومة اليابانية حديثاً نحو تبنى شكل الحكومة الصغيرة بهدف التقليل من النفقات الحكومية.
وقد اعتمدت خطة التنمية اليابانية على إستراتيجية للتنمية القومية لا تقوم فقط على النوايا الحسنة والطموحات المعلنة بل على تطويع السياسات الإدارية لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية، فعلى المستوى الاقتصادى الكلى اعتمدت اليابان على معدل ثابت وكانت السيطرة الحكومية على الاعتمادات المالية والبنكية وتحقيق درجة أعلى لحماية الزراعة والصناعة واختزال النفقات الحكومية والعمل على تقليص الميزانية وفرض رقابة صارمة على خروج ودخول رؤوس الأموال من الأدوات الرئيسية لتنفيذ برامج النمو الاقتصادي. ويمكن رصد أهم سمات النظام الاقتصادي وخاصة أبان النمو الاقتصادي السريع فيما يلى: 1. توجيه الهيكل الاقتصادى لخدمة مصالح المنتج والموزع أكثر من المستهلك. 2. التشجيع على تبنى إستراتيجية للتوسع الرأسمالى يكون من أهدافها دعم رأس المال لكل من الاستهلاك الخاص والعام. 3. تعظيم التكامل والاندماج بين الشركات اليابانية للفوائد المتحققة من رأس المال وتوجيه الشركات نحو تلبية احتياجات عملائها. وفى عام 1980 خرج الإصلاح الإدارى عن نظرته التقليدية الأرثوذكسية للإصلاح وأصبح يتعامل مع مشكلات واقعة للسياسات العامة الحكومية ، وفى عام 1981 أكدت اللجنة المختصة بالإصلاح الإدارى على أهمية الإصلاحات الهيكلية بجانب تبسيط الإجراءات الحكومية والتى أصبحت مصدر انتقادات بعد ذلك نتيجة لظهور مشكلة الفوائض التجارية. سمات نظام الخدمة المدنية اليابانى لقد حقق دستور 1947 عدة إصلاحات أساسية فى النظام الإدارى للخدمة المدنية ، منها: 1. إلغاء وزارة الحربية والبحرية وتأسيس عدد من الوزارات الجديدة مثل شئون الإسكان - العمل إلى جانب عدداً من التنظيمات الإدارية الأخرى. 2. تغيير مفهوم الوظيفة العامة من موظفين لخدمة الإمبراطور إلى موظفين لخدمة المواطنين والعامة 3. إنشاء وكالة لشئون الأفراد تكون من مهامها الإشراف على شئون الأفراد داخل الجهاز الحكومى. 4. عملية صنع السياسة والسلوك البيروقراطى. 5. تمارس البيروقراطية اليابانية، بصفة عامة، النفوذ والقوة فى تطبيق القوانين ، كما أن الأسلوب المميز لعمل البيروقراطية لا يتم من خلال الأوامر وإنما من خلال إسداء النصيحة. وقوم البيروقراطية اليابانية على أداء هذا الدور من خلال: 6. إصدار النصح والتوجيه للموظفين المدنيين بخصوص أعمال تتطلب مطابقة القوانين. 7. إعطاء توجيهات عامة للسياسات والتنسيق الإدارى بين الوكالات المتعاونة فى مجال الإنتاج الصناعى والزراعى على وجه الخصوص. نظام الرينجى وعملية صنع السياسات ويقصد بهذا النظام، أسلوب تداول القرارات الإدارية داخل المنظمات الإدارية حيث أن النجاح الذى تحققه الإدارة فى اليابان لا يعود فقط بين الحكومة ورجال الأعمال وإنما أيضاً للعلاقات الناجحة داخل الجهاز الإدارى نفسه. وبالرغم مما يحققه هذا النظام من مزايا عديدة إلا أنه غالباً ما يواجه عدداً من المشاكل عند التطبيق، نذكر أهمها فيما يلى: 1. عدم الفعالية، حيث غالباَ ما يستهلك الجهد والوقت فى عمليات التداول بخصوص القرار. 2. صعوبة تحديد المسئول الحقيقى عن القرار ومن ثم صعوبة تحقيق المساءلة والمحاسبة. 3. زيادة فرض القيود على القيادة مما يؤدى إلى شل حريتها فى إتخاذ القرارات. 4. وتعمل الإدارة اليابانية من خلال عدد من المجالس الاستشارية التى لديها القوة بخصوص تقرير السياسات العامة الحكومية، وبصفة عامة يوجد نوعان من هذه المجالس ، هى : 5. مجالس ذات طبيعة استشارية وخاصة فى القضايا الهامة والمسائل السياسية. 6. مجالس قانونية تتمتع بسلطة فى القضايا المطروحة. الخلاصة منذ بداية النهضة الحديثة فى اليابان، لعبت البيروقراطية الدور الأهم فى تشكيل وتنفيذ السياسات العامة الحكومية، وكما يقول بعض اليابانيين تعتبر دولة إدارية منذ ولاتها، حيث كان الجهاز الإدارى محكوماً سياسيا وموجه نحو خدمة الإمبراطور، على حين تغير ولاؤه لصالح رجال الأعمال والجماهير بشكل عام بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن اليابان قد عرفت نموذجاً لسيطرة رجال الأعمال والحزب الحاكم والنخبة البيروقراطية، ومنذ نهاية 1980 فإن اليابان قد دخلت إلى مرحلة غير مؤكدة المعالم بخصوص مكانية تحقيق التوازن بي الضغوط الناتجة عن الفساد السياسى من ناحية وعدم استقرار الحكومى من ناحية أخرى الأمر الذى يطرح من جديد مناقشة وضع البيروقراطية اليابانية فى السياقين الاجتماعي والتاريخى لها.
الثلاثاء، 7 أبريل 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق